search
burger-bars
Share


تأليف: د/ سعد زغلول

تُعتَبر المهارة في معاملة النّاس ركناً من الأركان الهامّة التي تساعد الإنسان على نجاحه في حياته. فالإنسان لا يولد وله قدرة على التّعامل مع النّاس الآخَرين. فهي مهارة يكتسبها كلّ فرد من خلال معاملاته وخبراته. بل إن فنّ التّعامل مع الآخَرين يأتي مع الدّراسة النّظريّة والتّدريب، ليكون فعّالاً ومؤثِّراً. ساعد نفسك على النّضج: نحن متنوِّعون، ولكن هناك قدرات عامّة، يحتاج كلّ واحد أن ينمّيها في نفسه لكي يصبح قادراً فيما بعد أن يأخذ مكانه ودوره. وإليك بعض القدرات الهامّة التي يحتاج الإنسان أن ينمّيها في ذاته ليكون ناجحاً.

1- القدرة على تقبُّل الذّات كما هي

كلّ إنسان له شخصيّة متفرِّدة، بما له من قدرات وإمكانات تميِّزه عن غيره، كما له أيضاً جوانب قصور ونقص. والنّقص يكون أحياناً عضويّاً، فلو أنّ فتاة تُحسّ بأنها حُرِمت من الجمال أو من جزء منه فالأفضل لها أن تَقبَل ذاتها كما هي، معنى ذلك أن لا تحتقر نفسها بسبب قلّة جمالها أو حتّى عدمه. فهي تقدر أن تُعوِّض النّقص الذي تشعر به بقدرات أُخرى تمتلكها ومواصفات جيّدة تتمتّع بها. يحتاج كلّ شخص إلى أن يتقبّل ذاته كما هو، وبالتّالي تكون طموحاته وأهدافه في حدود قدراته. ولكلّ إنسان طاقات كبيرة تساعده على تحقيق طموحه وتقدّمه، وبذلك يكون في علاقة سويّة بينه وبين نفسه. فرِضى الإنسان عن ذاته يؤثّر على كل علاقاته إيجابيّاً، في حين أنّ عدم رضَاه عن نفسه يُعرّضه لمشكلاتٍ عديدةٍ تجعله يعاني في حياته وفي تعامله مع الآخرين، ما قد يدفعه إلى كراهيّتهم وإبعادهم عن حياته، ممّا يعرّضه للفشل والإنطِواء.

2- القدرة على تقبُّل النَّقد والتّعلُّم من الأخطاء

النَّقد مصدر هام من مصادر التّعلُّم وزيادة المعرفة، والإنسان السَّوي يكون مستعدّاً أن يستمع إلى نقد النّاس لكي يتعلَّم من أخطائه. وعندما يشعر الإنسان بأنّه أخطأ، فلا بدّ أن يعترف بالخطأ. وقدرة الإنسان على الاعتراف بالخطأ قدرة ناضجة واعية ومسؤولة، وبذلك يقدر الإنسان أن يوِجّه نفسه إلى طريق الصّواب. والإنسان النّاضج يتعلّم من الخطأ كما يتعلّم من الصّواب، فمتى أصاب تعلّم ممّا صوابه، ومتى أخطأ تعلّم من خطأه، وكلّما تعلّم الإنسان من خبرات حياته، تقدَّمَ ونَما.

3- القدرة على تنمية القدرات والمهارات في المجال الذي تُتقنه

الإنسان الناضج يقدر أن يختار المجال الذي يُتقنه ويحاول أن يتقدَّم فيه،  فيتابع في هذا المجال ويتدرّب عليه بكلّ الوسائل المُمكنة والمُتاحة للتّدريب، ثمّ يمارس العمل. وقد يختار الإنسان مجالاً أو أكثر يتدرّب عليه، فهناك من يهوى الموسيقى فيتدرّب عليها، لتصبح هواية يمارسها في أوقات فراغه، ويتدرّب إلى جانب ذلك على أعمال المحاسبة فهو في حرفته محاسب. وقد يترك عمله إلى الموسيقى ليتقدّم فيها، ويجد نفسه وينجح. المهارات التي يتقنها الإنسان تدفع مَن حولَه إلى احترامه وتقديره في مجاله وتخصّصه، وكلّما كان إتقانه للمهارة كبيراً، حَظِيَ بمكانةٍ أفضل وتقديرٍ أسمى.

4- القدرة على اكتساب الأصدقاء والإبقاء على صداقتهم

الإنسان النّاجح إجتماعيّاً يَلَذُّ له أن يشارك الجماعة، إمّا في أعمالٍ جادّةٍ أو ترفيهيّةٍ. وهو يختار الأصدقاء حسب الهواية التي يمارسها أو يحبّها، فقد يختار أولئك الذين يفكّرون معه ويحفّزونه على التّفكير، أو الذين يمارس معهم هوايات الرّياضة، إلى غير ذلك. كسب الأصدقاء فنّ، لكن الإبقاء على الصّداقة فنّ آخر، فكم من صداقات تمزّقت بسرعة، وكم من صداقات استمرّت أعواماً، ثمّ انهارت. والحفاظ على الصّداقة يتمّ من خلال احترام كلّ واحد لذاتيّة الآخر، ورغباته وشؤونه الخاصّة.

5- القدرة على التّكيُّف مع المجتمع المحيط الحالي أو الجديد

يتغيّر المجتمع الذي يعيش فيه الفرد بحسب ظروف حياته. فقد يغيّر عمله، فيتغيّر بالتّالي المجتمع الذي يعيش فيه. قد يدعوك صديق إلى نادٍ جديد، فتدخل إلى مجتمع جديد لم تكن تتعامل معه من قبل. وقد تنتقل من مدينة إلى أخرى بسبب العمل فيتغيّر من وما حولك. ولا يكون كلّ مجتمع مناسباً لك بالضّرورة، فهناك مجتمع تلتقي فيه بأناس فتحسّ معهم بمشاعر الرّضا، وقد تدخل إلى مجتمع لا ترضى عنه ولا يكون في نظرك صالحاً. أمّا إن كان المجتمع الذي يعيش فيه الفرد، مجتمعاً إرغاميّاً كمجتمع العمل أو مجتمع الأسرة الكبيرة، فالإنسان يحتاج إلى قدرة كافية للتّكيُّف مع من يعيش أو يعمل معهم، إذ لا بدّ له أن يعيش في هذا المجتمع. وقد يتنازل عن بعض اهتماماته، إلّا أنه لا يجوز له أن يتنازل عن مستوى القِيَم التي يرتبط بها.

مبادئ عامّة في التّعامل مع النّاس:

- الاهتمام بالنّاس

يهتمّ كلّ إنسان بأن تكون له قيمة كبيرة وأن يُحسّ بأهميّته، فإن كان الشّخص الذي تعامله زميلاً أو صديقاً، فهو يريد أن تعامله باحترام، كما أنّ العامل أو السّائق أو الفَرَّاش، يريد أيضاً أن تعامله باحترام، فلا تجرح كرامته، أو تقلِّل من شأنه. والاهتمام بالآخرين يكون في المرض كما في الصّحّة، فعندما تقف بجوار من حولك كشريك، وتقديرك لظروفه وظروف حياته ومشكلاته يؤثّر عليه تأثيراً عميقاً، وسؤالك عنه تليفونيّاً أهمّ من كتابة خطاب، وزيارته أهمّ منهما كليهما. كلّما وجدت فرصةً لعملٍ حَسَنٍ فلتعمله. لو أدركَ الإنسان أنّه وهو يعامل الغير يَبني هذا التّعامل على أساسِ انتظاره لمعاملتهم له، لتحسَّنَت العلاقات، وسَمَت.

- لا تتحدّث عن نفسك كثيراً

كلّ إنسان يشعر بجدارته، لكنّه يحتاج أن يتعلّم أن يتكلّم عن نفسه قليلاً دون إطالة وبلا مُبالَغة، فمشكلة بعض من يتحدّثون عن أنفسهم، أنّهم يُعطون إحساساً للغير بأنّهم أحسن منهم وأقدر منهم، وهذا الأسلوب يسيء إلى من يتحدّثون إليهم، وبالتّالي يخسرون علاقتهم بهم.

- تحكَّم في انفعالاتك

من الانفعالات الرّئيسيّة التي تؤثِّر على الإنسان ويكون لها انعكاس على حياته الشّخصيّة، الحبّ والكراهية، الغضب والخوف، القلق، الفرح والحزن، الغيرة والحسد، الخجل والتّردّد، وغيرها. لا نقدر أن نفصِل كلّ انفعال على حدى، فالانفعالات تختلط وتتداخل معاً.

- القدرة على إدارة الانفعالات

كيف يواجه الإنسان انفعالاته؟ ليست الانفعالات حسنة أو سيّئة، لكنّها تُستخدم صواباً أو خطأً. هناك انفعالات نَصِفها بأنّها سيّئة: مثل البغضة والكراهية. وتوجد انفعالات حسنة كالحبّ. وثمَّةَ انفعالات يمكن أن تكون حسنة وسيّئة، حسبما يستخدمها الإنسان، فللخوف ميّزات وعيوب، والغضب يكون أحياناً حسناً وأحياناً سيّئاً. بعض الخوف يكون أحياناً صالحاً للإنسان وبعضه الآخر يكون سيّئاً. بعض هذه الانفعالات يأخذ وقتاً ويمكنك التّفكير فيها، وبعضها يحدث فجأة، فتنفعل قبل أن تفكّر. قد يكون الانفعال ردّ فعل لتصرّف يحدث من شخص آخر، فتنفعل. وهناك شخص آخر يحبّ دائماً أن يضايقك وهو ماكر، فيتصرّف التّصرّف الذي يضايقك، بينما تجده أمامك في غاية الهدوء، وأنت تنظر إليه وتغلي في داخلك. لن تكون الأمور دائماً بالأسلوب الذي ترغبه وبالنّتائج التي تريدها، بل أنت في حاجة إلى أن تهدأ، سواء من ذاتك أو أن تستشير من تريد، ثمّ تقرّر بهدوء. فالقرار الذي يصدر في حالة الانفعال الحادّ، يكون خاطئاً. في أغلب الأحوال يلزمك أن تحذر من انفعالات معيّنة، فمتى استبَدَّت بك الشّكوك أو سيطرت عليك الغيرة، فالانفعال سيسيطر عليك وستفقد كلّ توازن في الحكم على الموقف. الغيرة انفعال حادّ تثير كلّ الشّكوك وتسيطر على جسم الإنسان وعقله، ولا يمكنه الفكاك منها بسهولة. لا بدّ من دراسة المشكلة المحيطة بالغيرة أو الشّكّ بموضوعيّة، فقد تكون مخطئاً جدّاً، وقد تكون الأدلّة التي تراها أكيدة هي في الحقيقة غير صادقة، وهنا قد تحتاج لمن يساعدك في التّفكير والدّراسة بموضوعيّة. إدانة إنسان بريء إثم عظيم، لا تسمح لنفسك بأن تخسر صديقاً بسهولة، لا تتعمَّد الإساءة، فطريق الإساءة لا ينتهي، والكَبت ضارّ، فالكَبت يتحوّل إلى العقل الباطن، والمشكلة لا تُنسى ولا تختفي، لكنّها تظهر في صُوَر مختلفة. فقد تظهر في صورة توتُّر أو تلعثُم في أثناء الكلام، أو صُداع شديد. لذا من الضّروري أن يدرس الإنسان نفسه ويحاول فهما بصراحة، وأن يحاول أن يتجنّب التّصرّفات التي تثير الطّرف الآخر. حاول أن تنجح في اكتشاف مخارج مقبولة لطاقتك الانفعاليّة، ولتُدخِل إلى نفسك وجدانات سارّة سعيدة، كالحبّ والفخر والإعجاب. فكم من انفعالات حادّة تحوّلت إلى طاقة بنّاءة في عمل ما، فهناك من حوّل غضبه إلى أغنية جميلة، أو من حوّل قسوة النّاس ضدّه إلى قدرة في الخطابة، إلى غير ذلك. وهناك من يعمل على إخراج طاقته في الرّياضة، كلعب الكرة، أو السّير على الأقدام لمسافات، إلى غير ذلك.

إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone