search
burger-bars
Share

يُعتبر فداء المسيح للبشريّة جسر العبور بين الموت والحياة وبين الظّلمة والنّور. لم يكن خلاصنا ليتحقّق لو لم يتجسّد المسيح بهدف فداء العالم من عقاب الخطيّة.

بما أنّ الخطيّة دخلت إلى البشريّة مع آدم وبالتّالي الموت، فقد صار فداء المسيح واجباً لغفران الخطايا والحياة الأبديّة. ولأنّ الله كلّي العلم والمعرفة فهو هيّأ وأعدّ الفداء قبل تأسيس العالم، لذا حتّى نعرف إنْ كان فداء المسيح ضررويّاً أو هو حاجة بشريّة للخلاص، علينا أن نتبع عدّة نقاط لنصل إلى الجواب المنطقي الواضح الصّريح.

- الطّريق لبلوغ الفداء فيه محطّات ينبغي أن نمرّ بها وهي تبدأ من آدم حتّى الصّليب:

* الخطيّة:

بعد أن خلق الله آدم وسلّطه على جميع مخلوقاته وجعل له مُعيناً نظيره (حوّاء)، أوصى الله آدم بأنْ لا يمدّ يده إلى شجرة معرفة الخير والشّرّ، فإنْ أكل منها موتاً يموت، إذاً، يوجد وصيّة ويوجد عقاب على عصيانها. الله لا يساوم على حقّه ولا يُبرئ العاصي، والسّبب لأنّ الله عادل. من المهمّ أن نعرف أنّ الله لا يريد إهلاكنا بل يريد نجاتنا، لذا لا يمكن أن ننسب الظّلم إلى الله بسبب عقابه الخطاة العصاة، فالخاطئ يسير بإرادته إلى الهاوية الأبديّة.

* تهيئة الخلاص بعلامة الذّبائح الحيّة

كما أنّ الله هو عادل لا يساوم على حقّه، فإنّ الله أيضاً هو محبّة ورحمة. فكيف سيوفّق الله بين عدالته وبين محبّته ورحمته؟ سؤال بديهي لا يمكن تجاهله، بل ينبغي الإجابة عنه بحسب إعلانات الله لنا في الكتاب المقدّس. لقد هيّأ الله الخلاص للإنسان وأعلنه تدريجيّاً منذ سقوط آدم واكتشافه عريه. يخبرنا سِفر التّكوين أنّ الله صنع لآدم ولحوّاء أقمصة من "جلد"، من أين أتى الله بهذه الأقمصة الجلديّة؟ يقول المفسّرون بأنّ هذه الأقمصة صنعها الله من جلود حيوانات ليستر بها عري آدم وحوّاء، وهذه بداية الإشارات إلى أهميّة الذّبائح الحيّة كعربون فداء لستر الذّنوب وغفرانها. هابيل قدّم بإيمان ذبائح حيّة لله، ونوح قدّم ذبائح حيّة لله بعد خروجه من الفُلك، وكذلك فعل النّبي إبراهيم إذ بنى مذبحاً للرّبّ عربون إيمانه به وعبادته وحده، حتّى أنّه لم يبخل على الله بابنه إذ أطاع صوت الله الذي أمره بتقديمه ذبيحة. وإسحاق، عندما ظهر له الرّبّ ووعده بمباركة نسله، بنى مذبحاً ودعا باسم الرّبّ (سِفر التّكوين 26: 25)، مُعلِناً بذلك أنّه للرّبّ، وأنّه يذبح له دون سواه. أمّا مع موسى فقد صارت الذّبائح تُقدَّم تِبعاً لشريعة إلهيّة تسلَّمها موسى من الله مباشرة، فصارت أكثر وضوحاً وتنظيماً والتزاماً وصارت علامة شفاعة بين الشّعب والله يقدّمونها عربون توبة وسعياً لنوال غفران الله لخطاياهم، وهذا يعني أنّ هدف الذّبيحة أو سببها هو الخطيّة التي لا تُمحى بحَسَنات، بل تُمحى بحسب قصد الله بتقديم ذبائح تكفيراً عنها (راجع سِفر التّثنية).

-لماذا الذّبائح الحيّة؟

قال الله لموسى النّبي في سِفر اللاويين 17: 11، وقال كاتب الرّسالة الى العبرانيّين سِفر العبرانيّين 9: 22، وبما أنَّ دم الحيوان يجري في جميع أجزاء جسمه ويبعث الحياة إليها، وبما أنَّ الذي يقوم بهذه المهمّة هي النَّفس، لذلك تكون نفس الحيوان في دمه، كما أعلن الكتاب المقدّس.
أمّا السّبب في كَون الدّمّ هو الوسيلة الوحيدة للمغفرة أو الفداء، فيرجع إلى أنَّ حياة الحيوان هي في دمه. وبما أنّه بسفك دمه تفارقه حياته، كان من البديهي أن يُعتَبر سفك الدّمّ تعويضاً عن نفْس الخاطئ، فينجو من القصاص الذي يستحقّه، ويحصل على المغفرة التي يحتاج إليها.
 

*الذّبيحة العظمى والنّهائيّة

ممّا تقدّم تبيّن لنا أنّ الله شرّع الذّبائح كعمل فدائي أو كفّاري عن الذّنوب التي يرتكبها الإنسان فينال غفران الله عنها، لكن لا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ، لأنّ هذا النّظام الذّبائحي، كان تهيئة للذّبيحة العظمى النّهائيّة التي تغطّي خطايا البشر كلّهم فلا يعود مضطرّاً أن يقدّم كلّ واحد عن نفسه ذبائح حيّة، ولأنّه لا يمكن للحَسَنات أن تزيل السّيّئات لذا فإنّ اعتبار الذّبائح الحيوانيّة التي كانت تُقدَّم بقصد التّكفير عن الخطيّة، لم تكُن لتَفي حقّ الله الكامل في الإبراء من الخطايا، ومع ذلك فإنّ الله شرّعها وأمَر بوجوب تقديمها في زمن معيّن كوسيلة مقبولة عن تكفير خطيّة كلّ من يقدّمها فداءً عن نفسه، كما أنّ الكاهن يقدّمها مرّة في مواقيت معيّنة عن جماعة الشّعب، فإنّ قصد الله منها هو إعداد الكفّارة النّهائيّة في الوقت المعيّن منه، لتكون الطّريق المعَدّ لخلاص جميع النّاس أي أنّها تشمل جميع البشر على وجه الأرض في كلّ مكان وكلّ زمان، فكلّ من يقبل هذه النّعمة يحجب الله عنه العقاب ويدخله ملكوته الأبدي، وهذه الكفّارة لا يمكن لأي إنسان أن يؤدّيها ويتمّمها لأن جميع النّاس خطاة ويحتاجون للخلاص أي لمن يفديهم، لذا كانت مشيئة الله أن يقوم بنفسه بهذه المهمّة من خلال تجسّده بشراً في شخص ربّنا يسوع المسيح ليشابهنا في كلّ شيء ما عدا الخطيّة.

الفِدية المقبولة لغطاء خطايا العالم

من خلال قرائتنا للعهد القديم يتبيّن لنا أنّ الفِدية الكفّاريّة يجب أن تتوفّر فيها شروط أو صفات معيّنة  لكي تكون مقبولة وشاملة لكلّ الجنس البشري، وهذه الصّفات عدّدها أحد اللاهوتيّين بالاستناد إلى وصايا الله على الشّكل الآتي:

 

  1. 1. بما أنَّ الفِدية يجب أن تكون على الأقلّ مساوية في قيمتها للشّيء المطلوب فداؤه، وبما أنّه لا يساوي الإِنسان إلا إنسان مثله لأنّه ليس له نظير بين الكائنات يعادله ويساويه، لذلك فالفِدية أو بالحري الفادي الذي يصلح للتّكفير عن نفوسنا، يجب ألّا يكون حيواناً بل أن يكون على الأقلّ إنساناً.
  2. 2. وبما أنَّ هذا الفادي سيكون فادياً ليس لإِنسان واحد بل لكلّ النّاس، لتعذُّر وجود فادٍ لكلّ واحد من بلايين البشر الذين يعيشون في العالم، في كلّ العصور والبلاد، يجب أن تكون قيمته معادلة لكلّ هؤلاء النّاس.
  3. 3. وبما أنّه لو كان الفادي من جنس يختلف عن جنسنا (على فرض وجود مثل هذا الجنس)، لَما استطاع أن يكون نائباً عنّا، لأنّ النّائب يكون من جنس الذين ينوب عنهم، لذلك فإنّه مع عَظَمته التي ذكرناها يجب أن يكون واحداً من جنسنا.
  4. 4. وبما أنّه لو كان الفادي خاطئاً مثلنا، لكان محروماً من الله وواقعاً تحت قضاء القصاص الأبدي نظيرنا، ولا يستطيع تبعاً لذلك أن ينقذ واحداً منّا من هذا المصير المرعب، لأنّه يكون هو نفسه محتاجاً إلى من ينقذه منه، لذلك فالفادي مع وجوب كونه واحداً من جنسنا، يجب أن يكون خالياً من الخطيّة خلوّاً تامّاً.
  5. 5. وبما أنَّ خلوّه من الخطيّة وإن كان أمراً سامياً، لا يقوم دليلاً على كماله، وبالتّالي على أهليّته ليكون فادياً. فآدم مثلاً رغم أنّه خُلق خالياً من الخطيّة غير أنّه لم يكن معصوماً منها، لأنّه عندما عاش على الأرض سقط فيها، لذلك لا يكفي أن يكون الفادي خالياً من الخطيّة، بل يجب أن يثبت بالدّليل العملي أنّه معصوم منها أيضاً.
  6. 6. فضلاً عن ذلك، بما أنّه لو كان مخلوقاً، لكان بجُملته مُلكاً لله. وشخص ليس مُلكاً لنفسه بل مُلكاً لله، لا يحقّ له تقديم نفسه فدية لله عن إنسان ما، إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً غير مخلوق ليكون من حقّه أن يقدّم نفسه كفّارة.
  7. 7. بما أنّه لا يمكن الحصول على الغفران والتّمتّع بالوجود في حضرة الله إلاّ إذا تمّ أولاً إيفاء مطالب عدالته وقداسته التي لا حدَّ لها، إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً ذا مكانة لا حدَّ لسموّها حتّى يستطيع إيفاء مطالب الأولى بتحمّل كلّ قصاص الخطيّة عوضاً عنّا، وإيفاء مطالب الثّانية بإمدادنا بحياة روحيّة ترقى بنا إلى درجة التّوافق مع الله في صفاته الأدبيّة السّامية.

 

-أخي القارئ، بعد هذه الدّراسة المبنيّة على كتاب الله المقدّس، يتأكّد لنا أنّ فداء المسيح ضروري لخلاص بني البشر، ولا يمكن للإنسان أن ينال مغفرة الله ونعمة الحياة الأبديّة إلّا من خلال فداء المسيح. صلاتي للرّبّ أن لا تكون محروماً من هذه النّعمة الغنيّة التي وفّرها لنا الله عربون عدالته ومحبّته ورحمته.

في حال كنت تريد أن تكتب لنا أيّ سؤال خاص أو محادثة خاصّة نشجّعك أن تتّصل بنا

موضوعات مشابهة:

هل شخص شبيه بالمسيح صُلب بدلاً منه؟

ألا يستطيع الله أن يغفر للناس خطاياهم بدون موت المسيح؟

لماذا لا يمكن لإنسان آخَر أن يفدينا؟

إقرأ كتاب: لزوم كفّارة المسيح

اقرأ في مجلّة حياة: هل يغفر الله كلّ الخطايا؟

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads