search
burger-bars
Share

الاعلان الجوالهل رأيت مرّةً إعلاناً في الشّوارع، يقف ثمّ يسير ويقفِز ويركض؟

• الطّبقات الغنيّة التي تَلهَث وراء الموضة تتهافَت للحصول عليه.
• إنّه وسيلة تَباهٍ ولغة تمرُّد.
• يَشهد الصّيف إقبالاً متزايِداً عليه وذلك لإظهار مَفاتِن الجسم لدى معظم الفتيات.
• الأفضليّة عند الشّباب للكَتِف يليه الزِّنْد. أمّا الأفضليّة عند الفتيات فهي لأسفل الظَّهر أو أعلى الصّدر.
إنّه الوشم!!. "التّاتو" نعم، تلك الكلمة التي تحوز على المرتبة الرّابعة في البحث عبر شبكة الإنترنت.

لقد أصبح الْجِلد مسرحاً لكثيرٍ مِن الرّموز ذات الدّلالات الخاصّة والغامضة. فنحن نرى اليوم المراهِقين كما الشّبّان و الشّابّات يحصلون على وشمٍ واحدٍ أو أكثر، في أماكن مختلفة مِن جسدهم بدأً من الرّأس حتّى أخمص القدَمَين. كما أنّ أشكال الوشم تختلف بحسب خلفيّة من يختارها، فمنها ما هو شعارات دينيّة أو حزبيّة، وأُخرى رسومات معبِّرة كملائكة أو قلبٍ محَطّم؛ ومنها ما هو صاخِب ويُظهِر ثورة وغضب. ولكن مهما كان الشّكل فهو دائماً يحمل معنًى ودلالةً لشخصيّةِ ومواقِفِ صاحبِه. فالبعض يختار الرّسومات التي تعَبِّر عن القوّة والصّلابة (وهذا نجده عند الشّباب) وأحياناً القوّة الشّخصيّة، مثل رسومات الجَماجِم والأفاعي. أمّا البعض الآخَر فيختار الرّسومات التي تعبِّر عن الحُبّ. 
وكأنّ جسد الإنسان أصبح لوحةً إعلانيّةً متنقِّلةً، تسير هنا وهناك تروِّج لمبدإٍ أو عقيدةٍ جديدةٍ يتبنّاها حامِل هذه اللّوحة. وماذا لو تغيّرتْ هذه العقيدة بعد فترة أو تبدّل هذا المبدأ؟. لقد أصبح الإنسان خاضِعاً لتغيُّراتِ الموضة، يلهثُ وراءَها تاركاً لها زِمام التّحكّم بسلوكه وتصرّفاته. أرجو عزيزي أن تقرأ معي رأي أحدهم: "الوشم أصبح جزءاً من جسمي ولم أَعُدْ أعتبره غريباً عنّي وأنا بالتّالي راضٍ عنه. عندما أشعر أنّه بدأ يزعجني ويضايقني نَفْسيّاً سألجأ لإزالته بالليزر، ومع تطوّر الطّبّ والتّكنولوجيا لم يعُد هناك من مشكلة".


أمّا إحداهنّ فتقول: "لم أكُن أفكّر بطَبْعِ وشمٍ على جِسمي، كنت فقط أستمتع برؤيته على غيري، وكانت تجذبُني الرّسوم الجميلة. ولكن بعدما شاهدتُ مُمثِّلتي المُفضّلة أنجلينا جولي تضع وشماً على ظهرها، أحببتُ الفكرة وقرّرت رسم الوَشم نفسَه على ظهري، لكنّني اليوم نادمة على فعلتي لأنّني وبصراحة بدأتُ أَمَلُّ منه".
 قبل الدّخول في تفاصيل موضوعنا لنُعطي تعريفاً بسيطاً للوشم: هو وضع علامة (tatu  بلُغة التّاهيتي) ثابِتة في الجسم، وذلك بغَرْزِ الجِلد بالإبرة ثمّ وضع الأصباغ في تلك الفتحات والجروح لتبقى داخل الجِلد ولا تزول.  
خلال بحثي عن هذا الموضوع وجدتُ نفسي أتساءل عن السّبب الذي يدفع العديدين للحصول على وشم. وبعد بحثٍ وتحليلٍ وجدتُ الأجوبة التّالية:
• السّبب الأوّل قد يكون أنّ الشّخص الذي يحصل على الوشم هدفُه أن يُظهر استقلاليّته وتميّزَه عن الآخرين. قد يكون هذا الشّخص صاحبَ شخصيّة سبّاقة تحبّ أن تبدو على أنّها مختلفة عن الآخرين.
• السّبب الثّاني هو لَفْتُ الانتباه. النّاس سواء قصدوا ذلك أم لا فإنّهم يتفحّصون جيّداً صاحِب الوشم ويُمعِنون النَّظر فيه. وفي بعض الأحيان يَقصِدُ الشّخص وضع وشمٍ في مكانٍ مُحَدّد من الجسد لِلَفْتِ الجنس الآخَر و إثارته.
• والفئة الثّالثة من النّاس تحصل على الوَشم لإثبات هويّتها وللإشارة إلى مبادئها والافتخار بها، كالحصول على وشمٍ دينيّ أو وطنيّ.
• وأمّا السّبب الأخير والأهمّ فهو الشّعور بالفراغ الذي يدفع الشّخص للحصول على وشم، لظنّه أنّ الوشم سيملأ الفراغ. وهذا يكون الدّافع وراء حصوله على وشمٍ ثانٍ وثالثٍ ورابع ... لكنّ الفراغ يبقى.

وعلى الرّغم من أنّ بعض الأطبّاء النّفسيّين يعتبرون أنّ الذين يضعون وشماً، يعانون من خَلَلٍ نَفْسي وانحراف سلوكي.  وهم يعبّرون من خلاله (الوشم) عن تميّزِهم في المجتمع وسَخطهم عليه. إلّا أنّ هذه الفئة تنفي الأمر باعتبار الغاية من الوشم فنّاً تعبيريّاً، ونوعاً من تغيير الشّكل وتجديده.
هذا من النّاحية النّفسيّة، فماذا عن النّاحية الجسديّة؟.
أكّدت الأبحاث والدّراسات أنّ للوشمِ آثار ونتائج سلبيّة على الجسم. فَلَهُ أضرار موضعيّة، وهي تحسّس الجسم من الحِبر الموضوع. وهناك أضرار ومخاطر عامّة تأتي من استخدام أداة غير مُعقَّمة تنقل العديد من الأمراض المُتَّصِلة بالدّم، مثل التهاب الكبد B-C ومرض الإيدز. أمّا إزالة الوشم فتكون بِمَاء النّار أو بواسطة عمليّة جراحيّة تتمّ فيها إزالته باستخدام الليزر، باستخدام عدّة أنواع للّليزر وذلك حسب لون الوشم المُستَخدَم. أمّا إذا كان هناك عدّة أنواع مُستَخدَمة فسوف يحتاج الوشم لأكثر من جهاز ليزر واحد.

والآن، وفي خِضَمّ هذا كلِّه، ماذا يقول الكتاب المقدّس عن الأمر؟، وهل أظهرَ الله رأياً في الموضوع بشكلٍ حازِم؟

تكلّمَ الله في الكتاب المقدّس مرّة واحدة عن الوشم، وذلك في العهد القديم في سِفر اللاويّين 19: 28 ، حيث كان الله يكلِّم عبده موسى ويعطيه الوصايا كي يعيشَ الشّعب بِحَسَبِها. لا يمكن أن يكون الله أكثرَ وضوحاً من هذا!.
أمّا في العهد الجديد من الكتاب المقدّس فالوشم غير مذكور، إنّما يقول في أماكن مختَلِفة ألّا نُهينَ جَسدَنا أو نستخدمه بطريقة غير طاهِرة، وذلك لأنّ الله اختار أنْ يسكُنَ فينا (أي في جسدنا) فقط إنْ طَلَبْنا من الرّبّ يسوع المسيح أنْ يُخلِّصنا مِن الخطيّة، وعندها فقط يكون الفراغ في حياتنا قد امتلأ، ويتوضّح ذلك في رسالة كورنثوس الأولى 6: 19 . إنّ أيّ تخريب أو تشويه للجسد الذي خلقنا الله به هو أمرٌ مرفوضٌ منه تعالى، لأنّ جسدنا هذا هو هيكلٌ لسُكنى الرّوح القُدُس، وبكلّ ما نَظهَرُ فيه أو نَسلُكُه أو نقولُه يجب أن نكون مُمجِّدين الله، أي في أرواحنا وأجسادنا. هل تُرانا راضِين بما أعطانا إيّاه الله من مَظهَرٍ خارجيّ؟، وهل نحن نتمتّع بوجود الله في حياتنا والذي يمنحنا الاستقرار النفسي والصّحة النّفسيّة الجيّدة، ممّا لا يجعلنا في بحثٍ مستمرٍّ عن مراكز التّجميل والتّغيير والتّجديد؟  
إنّ الله يريد قلبنا، إنّه يُفضِّل بل يريد أنْ نشهَد له في حياتنا وسلوكنا وكلامنا، لا أنْ نُظهِر إيماننا ومعتقداتنا بآياتٍ وصورٍ مِن الإنجيل نَشِمُها على أجسادنا. إنّ الرّسوم الدّينيّة على أجسادنا لا تُقرِّبنا إلى الله بل على العكس تَرْتَدُّ سلباً علينا وعلى من حولِنا وتكون عَثَرَة. لتكن دوافعنا مقدّسة تهدف لتمجيد الله وتوجيه الأنظار إليه، وليس لِلَفْتِ الانتباهِ لذَواتنا. 
يقول الرّسول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية 6: 17 .
فإنْ كُنّا لسنا لأنفُسِنا بل لله، فكيف نَنتَهِك جسدنا الذي هو أصلاً مُلْكٌ لله وكيف نَستهينُ به؟!

هل تُحبّ أن ترى رُسوماتٍ تُزيّن الجُدران والأبواب في بيتِك؟ ماذا عن اللّوحات الفنيّة، هل اخترتَ إضافة رَونَقٍ مِن الجمال إلى منزلك بتعليق البعض منها هُنا وهُناك؟.
ولكن ما رأيك لو رأيت هذه الرّسومات نفسُها كوشمٍ على جَسدِك أنت؟ هل كنت ستُحبّ الأمر؟
والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل لكَونِ الرّسومات رائجة يعطينا الحقّ بأن نُبرِزها على أجسادنا؟

لذا إنْ سُؤِلتَ هذا السّؤال مجدّداً: "هَل تُحبِّذُ أنْ ترى هذه الرّسومات المُبهِجة على جَسَدِك أنت؟" ماذا سيكون جوابُكَ الآن؟

موضوعات ذات صلة:

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads