search
burger-bars
Share

حَلم الفيلسوف اليوناني العظيم أفلاطون ـ من آلاف السّنين ـ بجمهوريّة مثاليّة فُضلى، يعُمُّ فيها الحبُّ ويُرفرف عَلَم السّلام خفّاقاً بين ربوعها، لكن أفلاطون عاش ومات بحُلمه

دون أن يتحقّق، ولم يعدو أمر جُمهوريّته الفُضلى أكثر من مُجرّد أضغاث أحلام سُطِّرت على ورق!.
إنّ حُلم الحياة الفُضلى حُلم لم يُبارِح خيال الكُتّاب والأدباء والمُفكرّين والشّعراء عبر الأجيال والأزمان. لكن هل من سبيل لإدراك أمر كهذا؟!.
• ما هي الحياة الأفضل؟
يظُنُّ البعض أنّ الحياة الأفضل هي أن أكون غنيّاً وأن أتزوّج بامرأة جميلة وأن أتمتّع بالشُّهرة والعزّ والجاه ..... إلخ. إنّ هذه هي الحياة الأفضل من وجهة نظر النّاس، لكن هل تُراها هيَ الأفضل بحقّ؟! كلاّ، فالواقع يقول لنا ـ بكلّ وضوح ـ إنّ هذا ليس هو الحقّ، فنحن نعرف أناساً كثيرين أغنياء لا يتمتّعون بأيِّ نوعٍ من السّعادة أو راحة البال، مع أنّ عندهم ما يُؤهّلهم (حسب الظّاهر) لحياة رغيدة وسعيدة!. إنّ الحياة الأفضل ليست هي المال أو أيّ أمر من هذه الأمور، لكنّها أمر آخر سنتحدّث عنه لاحقاً.
• لماذا ينبغي علينا أن نطلب الحياة الأفضل؟ (هل لنا الحقُّ فيها؟):
بدايةً أقول: إنّ علينا أن نطلب الحياة الأفضل لأنّها حقٌّ أصيلٌ لنا، لا على سبيل الاستحقاق الفعلي، بل على سبيل الهِبة والنّعمة الإلهيّة. أُكرّر، ليس لأنّنا مُستحقّين لها، لكن لأنّنا نحتاج إليها، ولأنّها أيضاً موهوبة لنا كعطيّة من الله المُحبّ لنا. إنّ أيّ سجين عاقل يأتيه إفراج من السّجن قبل نهايّة المُدّة، ليس عليه ببساطة إلّا أن يقبل شاكراً هذه النّعمة التي تفتح أمامه باباً للأمل ورجاءً حقيقيّاً بالحُريّة المرغوبة!. لكن بكلّ أَسَف، نحن نرى الكثيرين من البشر من حولنا لا يطلبون الحياة الأفضل ولا يسعون نحوها، بل هم يُصعّبون الأمر عليهم أكثر، إذ هم يندفعون خلف أمور صعبة وخطرة ليُجرّبوها علّهم يجدون فيها السّعادة وراحة البال، ولكن هيهات!!.
• مادامت الحياة الفُضلى هي حقٌّ لنا، لماذا إذاً نجدها نحن حُلماً بَعيد المَنال؟
إنّ المُشكلة الحقيقيّة تكمُنُ في داخل الإنسان نفسه، نعم في الدّاخل، فقلب الإنسان وأفكاره وتوجُّهاته هم الذين يُمثّلون الحجر الرّئيسي في طريق إدراكه للسّعادة وللحياة الفُضلى. فالإنسان من يوم أخطأ أبوانا الأوّلان آدم وحوّاء، فَقَدَ أهليّته للحياة الأفضل!، فلقد انحرف اتّجاهه بعيداً عن معرفة الإله الحيّ. يقول الكتاب المُقدّس: "كُلُّنا كغنمٍ ضَلَلنا، مِلنا كلّ واحد إلى طريقه". وهذا هو ما يُسمّيه الكتاب المُقدّس "الخطيّة" وهي تُدمّر العلاقة بين الإنسان وخالقه الذي هو مصدر الحياة كلّها، وبالتّبعيّة بين الإنسان ونفسه وبينه وبين الآخرين أيضاً!.
والخطيّة، بما أنّها تُدمّر حياة الإنسان بأبعادها الثّلاثة التي تحدَّثنا عنها للتّوّ، فهي أيضاً وبالتّبعيّة ـ كما قُلنا سابقاً ـ تُؤثّر سلبيّاً على العالم والخليقة والمخلوقات كلّها، فالأنانيّة وحُبّ الذّات والظّهور يصنعون عالَماً شديد السّوء، يأكل النّاس فيه بعضهم بعضاً ويسعى كلّ واحد فيه للارتفاع والصّعود ولو على جماجم الآخرين!، بعكس العالم الذي تسوده المحبّة ويملؤه الوِدّ والتّفاني وإنكار الذّات والتّواضع.
• ما الذي يُعيقنا عن الوصول للحياة الفُضلى؟
وبناءً على هذه الحقيقة التي ذكرناها في النّقطة السّابقة، فإنّ الخطيّة منذ سبّبت هذا الانفصال بين الإنسان وخالقه، استمرّ الوضع على هذا الحال، وسيستمرّ، إلى أن يتخلّص الإنسان من الخطيّة، وأمر كهذا لا يتحقّق إلّا بعودة الإنسان لربّه تائباً مُستغفِراً مُستفيداً من عَمَل المسيح الكفّاري على الصّليب.
إنّ رغبة الإنسان ومحاولاته لأن يصير أفضل، وأن يصنع ويحيا العالم الأفضل، إنّما هي تتعثّر وتصطدم دوماً بواقعٍ مريرٍ، ألا وهو فشل الإنسان في أن يُغيّر نفسه بنفسه. لأنّ الخطيّه تستعبده ولا يستطيع الإفلات منها. والفكرة ليست جديدة، فمنذ بدء الخليقة والإنسان يُحاول ويُجاهد ويسعى نحو الحياة الأفضل عن طريق مُحاولات ومُجادلات وفلسفات وأخلاقيّات، لكنّ هذه كلّها عجزت عن الوفاء بمطاليبه ورغباته في الحياة الأفضل، لكن، لا بدّ أنّ هناك حلّ لهذه المُشكلة!. 
• من أين نبدأ؟
إنّ البداية الحقيقيّة تكون بالتّوبة كما قُلنا سابقاً، ثمّ تكون أيضاً بأن نُحبّ بعضنا بعضاً، ويُقدّم كلّ منّا الآخر عن نفسه في الكرامة. والبداية تكون أيضاً بأن نغفر لمن يُسيؤون إلينا ونُسامحهم كما سامحنا الله نحن أيضاً على تقصيراتنا وتعدّياتنا وخطايانا (يصلّي المسيحيّون الصّلاة الربّانيّة التي علّمهم المسيح إيّاها والمذكورة في إنجيل متّى 6: 9 - 15. يُمكنك الاطلاع على جزء من تعاليم السّيّد المسيح السّامية بقراءة الإنجيل المُقدّس بحسب إنجيل متّى والأصحاحات من الخامس إلى السّابع، على ما دَرَجَ المسيحيّون على تسميته "الموعظة على الجبل"، وهي في مُجملها عبارة عن مجموعة من التّعاليم المُتنوّعة التي تتعلّق بالعبادات والأخلاقيّات والسّلوكيّات الإنسانيّة بالطّريقة التي تُرضي الله، قدّمها السّيُّد المسيح للجموع في مناسبات مُتعدّدة).
والبداية الحقيقيّة تكون أيضاً أن نكون شفّافين أنقياءَ من الدّاخل والخارج ، إيجابيّين نسعى لأن نبدأ بحقّ في تأسيس العالم الذي نحلم به، بأن يؤدّي كلّ منّا دوره بالاستناد والاتّكال على قوّة الله العظيمة.
• ما هو دوري أو مسؤوليّتي لإدراك هذه الحياة؟
إنّ دوري أن أجعل كلّ ما حولي جميلاً وصحيحاً ومُبارَكاً ورائعاً، ودوري أن أسعى مثلما علّمني السّيّد المسيح أن أكون نوراً وبركةً لكلّ المحتاجين إلى النّور، ودوري ألّا أتقاعس عن خدمة من يحتاج للخدمة، وأن أمُدّ يد العون لكلّ المُحتاجين والمُتعثّرين والذين في ضيق. دوري أن أُحبّ كلّ النّاس وأُقدّم الخير والحُبّ لكلّ النّاس، وأن أثق أنّ الحُبّ لا يأتي إلاّ بالحُبّ وأنّ النّور سيَجلي الظلّام، وأنّ السّعادة الحقيقيّة لا تتحقّق بأيّ حال عن طريق الأنانيّة والأخذ، بل عن طريق العطاء وتقديم الآخر في المحبّة والكرامة.
 إنّ عالَماً يخلو من الحُبَ والأُلفة والصّداقة لا يُمكن أن يكون أفضل، والمفتاح الحقيقي في طريق سَعيِنا نحو الحياة الأفضل إنّما هو يتمثّل في ارتباط الإنسان بخالقه وانصرافه عن ذاته ليخدم الآخرين. فنحن إن فعلنا ذلك سنحيا الحياة الأفضل وسنجعل عالمنا يصير أفضل.
صديقي القاريء،
هيّا معاً نرجِع لخالقنا، وهيّا سويّاً نضع أيدينا معاً في اتّحادٍ وتكاتفٍ وانسجامٍ، لنعمل معاً لهذا العالم الأفضل.
إن كان حديثي هذا قد أثار عندك أيّة أفكار تُحبّ أن تشاركني بها فاكتبها لي وسأكون سعيداً باستقبالها والتّعقيب عليها، لك كلّ تقديري من صديق يُحبّك ويعتزُّ بصداقتك، والله معك.

إذا كان لديك عزيزي القارىء أيّة مشكلة تحبّ أن تشاركنا بها، وتحبّ أن نصلّي لأجلك .. اتّصل بنا 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone