search
burger-bars
Share

الهجرة إلى الوطن الجديدروى راندل جرير (شاب أمريكي) قصّة حياته لمجلة (رجال الأعمال)

فقال: "اجتمعت مع زملائي السّجناء داخل السّجن و قلت لهم: "لقد تعلّمت ألّا أثق بأحد، ولكن الآن أنا بحاجة إلى من يساعدني، هل تساعدوني في الهروب من السّجن؟".

قال أحدهم محتجّاً: "أيّها الرّجل لا تقدر أن تخرج من هنا حيّاً". 

كنتُ ضمن عصابة سطو مُسلَّح. في السّابق هربتُ من السّجن مرتين. في المرّة الأولى بعد هروبي، سَطوتُ على إحدى المتاجر الكبرى. وهربتُ من السّجن للمرّة الثّانية وسرقت سيّارةً وجرّاراً. إنّ 4 جرائم تؤهِّلني لأن يُقام لي في ولاية ألاباما تمثال، "معتاد الإجرام". كنتُ مُصمِّماً أن أهرب من الحُكم المؤبّد الّذي كان مُسلطاً على رأسي. شرحَ السّجناء الذين معي في السّجن العقبات التي ستواجهني في عمليّة الهروب: فما أن أخرج من الزّنزانة، لا بدّ أن أصل إلى سُلّم الطّوارئ البعيد عن المراقبة. ثمّ بعد ذلك لا بدّ من قفزة على ارتفاع 3,5 متر فوق سور مُكَهرَب يعلوه سِلك شائك. إذا أمكنني أن أقفز فوق هذا السّور بدون أن ألمسه، سأسقط من ارتفاع طابقين إلى أرض من الإسفلت. ثمّ هزَّ أحد السّجناء رأسه وقال: "عندما تهوي على الأرض وتلمسها بشدّة سوف تحطِّمك وتقتلك، وإذا سقطتَ داخل السّور بكلّ تأكيد سوف تموت لأنّ الحرّاس سيقتلونك حتّى لا تهرب". لكنّني لم أبالِ بذلك. إنّني أفضّل الهروب على الحياة داخل السّجن. في تلك اللّيلة، قام بعض السّجناء بفتح باب حديدي بجانب الزّنزانة، ولم يكتشف الحرّاس أنّ قِفل الباب قد كُسِر. هربتُ من خلال الباب الجانبي للزّنزانة وقد أدّى ذلك إلى كشط مساحات كبيرة من الجلد في وجهي وعنقي .

جَرَيتُ إلى الباب الخارجي وفتحتُه، ثمّ حَملقتُ متأمّلاً: إذا سقطتُ فوق ذلك السِّلك المُكهرَب سأُشوى بنار التّيّار الكهربائي مثل قطعة همبرجر.

زادت دقّات قلبي عندما سرتُ في ممرّ ضيّق طوله 10 متر. ولمّا بدأتُ أجري، قفزتُ في الهواء بكلّ ما عندي من قوّة وطاقة وأغمضتُ عينيّ، ولمّا فتحتهما كنتُ أعبرُ فوق السّور الشّائك، وما أن عبرته ببعض السّنتيمترات، حتّى هبطتُ عموديّاً على الأرض. وبعد أن إصطدمتُ بالرّصيف، لم أدرِ أنّ رِسغ قدمي قد كُسِر. ورغم شدّة الألم حَشَدتُ كلّ ما بقي من قوّة تحمُّل في جسدي المتألِّم ووقفتُ على قدميّ وبدأتُ أجري. ومن حين إلى آخر كنتُ أقفُ لكي أُبلِّل رِسغ قدمي بالماء لأخفّف من الوَرم.

جَرَيتُ 22 كيلو متر حتّى وصلتُ إلى أوّل مدينة، خطّطتُ لكي أسرق سيّارة. ولكنّي كنتُ قد ضَعُفتُ جدّاً. وكانت قَطرات العَرَق الكبيرة الحجم تتساقط من جبيني. إتّصلتُ تليفونيّاً ببعض الأصدقاء كي يأتوا ويأخذوني.

للمرّة الثّالثة هربتُ من السّجن، وذلك كي أكتشف أنّ هناك شخص وحيد لم أقدر أن أهرب منه. إنّه ألله! فبعد هروبي ذهبتُ لأختبئ في شِقّة أحد أصدقائي. وبعد ظهر أحد الأيّام، بينما كنتُ في طريقي، إنفجرتُ بالبكاء، ورغم قساوتي وعدم مبالاتي كمجرم، إلّا أنّ ضغط الحياة قد حُفِر في نفسي. أصبحتُ مريضاً و تعبتُ من الحياة. بعد يومين تركتُ المدينة وسافرتُ للبحث عن وظيفة في شركة بترول، إلى أن أهرب إلى الخارج. ولكن عندما عبَرتُ الطّريق السّريع، أدهشني صوت! كان المتكلّم هو الله.

كان الله آخر من أُفكّر فيه. وفي الحقيقة كنتُ قد قرّرتُ أنّه غير موجود. تحدّثَ الله بصوتٍ مسموعٍ إلى روحي في داخلي قائلاً: "إنْ لم تُسلّم حياتك لي اليوم، فلن تجدَ فرصةً أخرى. لقد وضعَ إبليس مصيدةً لكَ، وقد وقعتَ في تلك المصيدة". ارتعبتُ كثيراً من كلام الله لي، حتّى أنّني بَلَّلتُ ملابسي من شدّة الخوف وصرختُ: "أيّها الرّبّ، ماذا تريدني أن أفعل في هذه الحياة؟".

قال الله: أريد أن تسلِّم حياتك لي. أريدك أن تسلّم نفسك للسُّلطات وترجع إلى المدينة التي كنتَ مسجوناً فيها. إعترف بأنّك مُذنب في كلّ الجرائم التي تُحاكَم بسببها". بكيتُ وقلت: "ماذا تريدني أن أفعل! إنّني أحاول أن أُخرِجَ حياتي من هذه الظّروف المُزعِجة والمُؤذِية".

أجابني: "أنتَ تسيرُ في اتّجاه طريق المَوت والدّمار ونار جهنّم. إنّ الشّيطان سوف يقتلك". بكلّ تواضع، أحنيتُ رأسي وقلت: "ربّي، سأفعلُ الآن كلّ ما تريدني أن أفعله". عندما سلّمتُ نفسي للسُّلطات اندهشوا وكانوا سُعَداء. وبعد 30 يوماً، ذهبتُ إلى المحكمة حيثُ اعترفتُ أمام القاضي بأنّني مُذنِب في الخمس جرائم التي أُحاكَم بسببها. في داخل السّجن انتهتْ غُربتي، وانتهى هروبي من وجه الله. انتهتْ هجرتي في عالم الشّرور. وصار الله وطني وبيتي.

مهاجرون بلا أوراق

يمتلئ العالم بالمهاجرين، الّذين يحملون أوراقهم الرّسميّة، ويغيِّرون مواطنهم، بحثاً عن ظروفٍ أفضل. إنّهم المهاجرون بصِفة رسميّة.

ولكن الحياة تمتلئ أيضاً بأنواعٍ أخرى من المهاجرين الّذين لا يغادرون بلادهم، بل يهاجرون وهم في مواقعهم، ويسافرون بلا أوراق في دوائرٍ حول أنفسهم. فهناك:

. المهاجرون إلى المجهول:

بعض النّاس في حالة قلق دائم، أرواحهم ثائرة – لا تستريح ولا تهدأ. لا يعرفون سُكون النّفْس، ولا راحة الفكر، ولا نعمة الإستقرار. إنّهم ينتقلون من حياة إلى حياة، ومن مبدأ إلى نقيضه، ومن اتّجاه إلى عكسه. حياتهم بحثٌ دائم عن حلٍّ مجهول، وعن استقرارٍ غائب، فهجرتهم دائمة ،اسقرارهم بعيد المنال. هؤلاء المهاجرون لا يقبلون واقعهم الرّوحي، ولا يرضون عن حياتهم، لكنّهم لا يعرفون إلى أين يتّجهون، أو ماذا يحتاجون. لذلك يفتقدون الرّاحة والاستقرار والسّكون.

. المهاجرون إلى سراديب الخوف:

بعض النّاس يطاردهم الخوف، فيهاجرون من موقع إلى آخر بحثاً عن الأمان، ولكنّ الخوف في حياتهم لا يهدأ! لقد فارقوا موطن الأمان، وعاشوا في سراديب الخوف بنَفْسٍ مضطربة وقلبٍ واجف. كم من النّاس تحاصرهم أحاسيس الذّنب، فتُقلِق استقرارهم، وتدفعهم للهجرة إلى مواطن الخوف القاتل!.

. المهاجرون إلى الدّاخل:

وبعض النّاس يهربون من واقعهم، ومن عالمهم الخارجي، فينطوون علي أنفسهم، ويهجرون عالم الواقع إلى عالم الأحلام. ويهجرون الحقيقة إلى الأوهام، يبيتون في أحضان الوهم، حتّى يصبح الوهم لهم موطناً وملجأًً ومَلاذاً! إنّهم لا يسافرون خارج الوطن، لكنّهم يهاجرون إلى دهاليز النّفس، ويسكنون بحور الخيال. يتركون جبال الواقع الواضحة ويرحلون إلى سراديب الخيال المُبهَمة.

. المهاجرون إلى الماضي:

إنّهم بشر يعيشون بأجسادهم في الزّمن الحاضر، لكنّهم يهاجرون بأرواحهم إلى الماضي البعيد. عقولهم سَلَفيّة، وميولهم سَلَفيّة. إنّهم مهاجرون إلى القديم، كارهون للحديث، متمسّكون بالعتيق، إنّهم لا يقدرون على البقاء في الحياة المتحضِّرة، فعيونهم و عقولهم وأفكارهم قد هاجرت إلى الأزمنة السّالفة.

. المهاجرون إلى الضَّياع:

تتملَّك الأرواح الشّرّيرة قلوب البعض، فيعيشون مسلوبي الإرادة ، تائهين في بُحور الضَّياع يتخبَّطون على كلّ شاطئ، ويتساقطون في شِباك الشّرّ. إنّهم مهاجرون دائماً إلى الضَّياع، فقد صارت الخطيئة موطنهم، والشّهوة وُجهَتهم. إنّهم ضائعون في صحراء الشّرّ، حياتهم تجريح وهَدم وفناء وضَياع!.

. المهاجرون إلى الموت: يعيش الكثيرون في رحلة الهجرة نحو الموت الأبدي. فحياتهم خطيئة، وذنوب، وعصيان، وإبتعاد عن الله. والخطيئة تُثمِر الموت الأبدي وتجلِب الشّقاء الدّائم. إنّ الحياة سفينة في بحرٍ هائجٍ. والّذين لا يلبَسون أطواق النّجاة،هم حتماً مهاجرون إلى الموت.

السّماء موطني

لقد خلقَ الله للبشر عالَماً فسيحاً مليئاً بالحياة. ومنَحَنا حبّاً لأوطاننا، ووفاءً لبلادنا. ونحن نحمد الله من أجل أوطاننا الغالية، ونعاهد الله أن نُخلٍص لها. لكنّ الله أودَعَ في قلوبنا أيضاً شوقاً عميقاً لوطنٍ أكبر، هو سماءُ الخلود .. حيث تنتقل أرواحنا لتحيا في نعيم الله، حياةً لا تنتهي، في وطنٍ لا يزول!

والسّماء هي مَسكن الله القدوس الّذي ليس فيه ألم أو وجع أو شرّ أو مرض أو موت، إنّه كمال السّعادة والهناء. لكنّ الدّخول إلى سماء الله يستلزم قلباً مغسولاً مُطهّراً، وحياةً جديدةً.

والهجرة إلى الوطن السّماوي، هي غايةُ ما نسعى إليه. وهي دعاؤُنا الّذي نتوجّه به إلى الله ليَكشف لنا الطّريق، ويمنَحنا تأشيرة الرِّضا والقبول.

يا ربّ ...

كثيراً ما هاجَرنا في بُحور الضّياع،

وكثيراً ما هاجَرنا إلى موطن اليأس،

وكثيراً ما حلَلنا في سراديب الخوف،

وكثيراً ما جَرَينا وراء المجهول!

نعترفُ أمامك بحاجتنا الشّديدة إليك،

إمنحنا شوقاً للوطن الخالد،

إمنحنا شوقاً لديارك المقدّسة،

وجِّهنا بروحك إلى الحقّ،

وخذ بيدِنا إلى أبواب الخلود،

فأنتَ الوطن الباقي،

ونحن مهاجرون إليك،

فعرِّفنا الطّريق،

يا ربّ ...

* شاهد أيضاً  حلقة "الهجرة" .

* قرّرت الهجرة إلى أمريكا.

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone