search
burger-bars
Share

الزلزل وتوابعه -ملك ... أم اله؟ أكثر من أربعين عاماً والهدوء يعمّ أجواء ليبيا، ويبدو للنّاظر أنّ كلّ شيء على ما يرام

 فالسّلطة تسيطر على كلّ شيء. تصريحات وتصريحات من الحاكم الذي يحكم بالحديد والنّار تتصاعد لتعبّرعن حالة من الاستقرار. زعيم ليبي لا يمكن التّكهّن بالخطوة القادمة التي يمكن أن يخطوها، لذلك هو بالنّسبة للشّعب شخص شيّق ومثير للتّرقُّب دائماً، ولكن أيضاً كلّ خطأ أو ورطة يقوم بها هذا الرّجُل يدفع ثمنها الشّعب غالياً، ما بين عقاب العالم لِليبيا وما بين الخوف والقلق من الحَدَث الذي سيَليه.


شخص دموي يحكم ليبيا بالسّياط والنّار، فتكون النّتيجة الكثير والكثير من الدّماء، وببراءة يُصدر الكتاب الأخضر الذي من خلاله يعطي مبادىء يحكم فيها ليبيا . وفوق كلّ هذا نجد ألقاباً لهذا الزّعيم الليبي ما بين ملك ملوك أفريقيا إلى الادّعاء بأنّه أمير المسلمين ... إلخ من الألقاب الفخمة. إنّه الإله القذّافي.


كلّ هذا خلال أربعين سنة والأمور تسير بخوف وقلق، تخلّف شديد عن كلّ القواعد السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة العالميّة، وكان هذا بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير، فولّدت احتقاناً بين فكرٍ متقدّم يُمثّله شباب ليبيا الأحرار، وآخر متخلّف يُمثّله نظام الدّولة الفاسد، هذه الفجوة أدّت إلى صدام حقيقي بين الحداثة والتّخلّف، واستطاع الأبناء كسر حاجز الخوف الموروث عن الآباء. ولكن في ضوء هذه الأشياء كان لا بدّ أن لا يستمر الاستقرار إلى الأبد ويحدث الزّلزال، هذا الزّلزال حدث في ليبيا منذ حوالي العام. في الواقع تمّ هذا الزّلزال ضمن منظومة زلزاليّة حرّكت العالم العربي، والتي أعتقد أنّها حدثت بتحريك إلهي وليس بشري، فكيف لهؤلاء العرب أن يتّحدوا على زلزال واحد في عام واحد هو عام 2011 عام الزّلازل العربيّة.


وتمّ الزّلزال. ونحمد الله على نعمة الحريّة التي أصبحتْ أمراً واقعاً بفضل ثوار 17 فبراير، هؤلاء الأبطال الذين دفعهم انغلاق النّظام (الجماهيري)، للقيام بثورة لم يبخلوا بالتّضحية في سبيلها وإن كان الثمن باهظاً، حيث سقط الآلاف من الشّهداء والجرحى على أرض ليبيا. التي هي أيضاً أرض عمر المختار في القديم.


   لقد صبر الليبيّون سنوات طويلة على أمل تصحيح الأوضاع، وطالب بعض المثقّفين منهم عبر المساحة المُكبَّلة بالخطوط الحمراء بضرورة الإصلاح، وهو أقصى ما استطاع الكُتّاب التّعبير عنه بأقلامهم في زمن الرّعب والخوف من قطع الأيدي وبتر العقول.


  ما قبل الزلزال سيطر على حاكم ليبيا فكرة أنّ الليبيّين أصابهم الضّعف واليأس أمام إحساسه بالقوّة من إحاطة أبنائه والمقرّبين والمنتفعين من حوله، وازداد شعوره بالعَظَمة والغرور حتّى صار لا يرى إلّا نفسه، متوهّماً أنّ كِبَر حجمه يفوق قدرة العالم على استيعابه، فتألّه في وسطٍ أُجبِر على عدم رؤية غيره، وقد كان ذلك واضحاً في تسمياته لنفسه: (ملك ملوك، زعيم أُممي وما إلى ذلك من التّسميات التي أطلقها على نفسه).


   الشّعور بالعَظَمة والاستخفاف بقدرة الشّعب على مقاومة أيّ اتّجاه سياسي يفرضه، كالتّوريث لأبنائه من بعده، هذا الشّعور انعكس في خطابات القذّافي الأخيرة أيّام الثّورة، عندما كان يَهْذي، فيأمر بالزّحف ويدّعي واهماً حدوثه. كلّ هذا يؤكّد أنّ الرّجُل كان يعيش واقعاً افتراضيّاً منفصلاً عن محيطه الحقيقي، هذا الانفصام أَسهمَ في انتصار الثّورة، نتيجة التزامها بمعايير الصّدق والشّفافيّة، فكانت عاملاً مسانداً في عمليّة الحسم.


كلّ هذا ذكّرني بشخصيّة في الكتاب المقدّس عاشت في عصر السّيّد المسيح، حكمت في منطقة فلسطين ... وعندما حكمت سيطر الغرور والكبرياء عليها:

اقرأ معي
كَانَ هِيرُودُسُ سَاخِطًا عَلَى الصُّورِيِّينَ وَالصَّيْدَاوِيِّينَ، فَحَضَرُوا إِلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَاسْتَعْطَفُوا بَلاَسْتُسَ النَّاظِرَ عَلَى مَضْجَعِ الْمَلِكِ، ثُمَّ صَارُوا يَلْتَمِسُونَ الْمُصَالَحَةَ لأَنَّ كُورَتَهُمْ تَقْتَاتُ مِنْ كُورَةِ الْمَلِك فَفِي يَوْمٍ مُعَيَّنٍ لَبِسَ هِيرُودُسُ الْحُلَّةَ الْمُلُوكِيَّةَ، وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّ الْمُلْكِ وَجَعَلَ ياسد ُخَاطِبُهُمْ فَصَرَخَ الشَّعْبُ:«هذَا صَوْتُ إِلهٍ لاَ صَوْتُ إِنْسَانٍ فَفِي الْحَالِ ضَرَبَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ لأَنَّهُ لَمْ يُعْطِ الْمَجْدَ للهِ، فَصَارَ يَأْكُلُهُ الدُّودُ وَمَاتَ." (أعمال الرُّسل 12: 20 - 23)

لقد كان هيرودس هذا ملكاً فاسداً يبطش بالنّاس، فحصل على كَمٍّ من النِّفاق أَوصَله إلى قناعة أنّه إله لا إنسان، فكان العقاب السّريع.


والآن وبعد أن انتصر الشّعب بسواعد أبنائه، لا بدّ أن يَعوا الدّرس، نستطيع القول بأنّ الثّورة حقّقت المهمّ وهو التّخلُّص من بطش حاكم فاسد، والآن الباقي الأساسي هو البناء، ولكن في هذا المقال البسيط علينا أن نفكّر في نقاط هامّة وهي:

- من توابع الزّلزال عدم التّخلُّص من الخوف الذي تعوّد أن يسيطر على النّاس (فكّر معي – هل تخلّصت ليبيا من هذا الخوف؟)، أَمْ أنّه مَرَضٌ يسيطر على أفئدة النّاس.
- حُبّ الزّعامة الذي قد يدفع البعض إلى ركوب الموجة سعياً وراء المنصب.
- الفساد الذي ينخر في جسم الدّولة ماذا يحدث خلاله؟
- كيف البناء؟ وماهو أسلوب البناء وطريقته؟ 
- بناء النّفس مهمّ كبناء الشّعب، لذلك لا بدّ أن نتعلّم كيف نبنيه وأسلوب بنائه بعد فترة طويلة من الفساد.

هل نفكّر في هذا أَمْ نكفتي بالزّلزال الذي حدث في أرض ليبيا – في الواقع توابع الزّلزال قد تكون أهمّ من الزّلزال وتحتاج لعلاج – ليتنا نبدأ به.

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone