search
burger-bars
Share

 الأُضحية المقبولة  يحتفل المُسلمون في كُلّ ربوع الأرض بمُناسبة هي الأعظم على الإطلاق في احتفالاتهم الدّينيّة، ألا وهي عيد الأضحي.

 ويعود أصل الاحتفال بتلك المناسبة ـ كما تُعرّفنا الكتب ـ ليوم أن قدّم الله تعالى لأبينا ابراهيم ذبحاً عظيماً ليفتدي به ابنه الذي كان قد سأله أن يُقدّمه له، كنوع من التّقرُّب لله وكاختبار لمحبّة أبينا إبراهيم لله ومدى طاعته وخضوعه لوصاياه.

 ويالها من مُناسبة عظيمة نتعلّم منها الكثير عن الأضحية المقبولة.  والحقيقة هي أنّ فكرة الذّبائح أقدم كثيراً من الإسلام تاريخيّاً وزمنيّاً وهي تعود للكُتب المُقدّسة التّوراة والإنجيل)، والتي توضّح من منظور مُختلف لماذا سُنّت الذّبائح وما المقصود بها وما هو الغرض منها وما هي الأضحية المقبولة. والآن اسمح لي عزيزي القارىء في عُجالة ـ وبقلب مفتوح ـ أن أتّأمّل معك في بعض النّقاط التي ترتبط بهذا الموضوع الهامّ كما يلي: 


 • ما هو أصل الأُضحية، من أين وكيف نشأت الفكرة؟
مع أنّ قصّة فداء الله لابن ابراهيم تُعتبر فعلاً من أقدم القصص التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بفكرة أو مفهوم الذّبيحة، إلاّ أنّ هُناك ذبحاً رُبّما أقول إنّه لا يقلُّ أهميّة ـ بأيّ حال ـ عن هذا الذّبح العظيم الذي به قُدّم ذبحاً من قِبَل الله لابراهيم به افتدى ابنه. ويُحدّثُنا سفر البدايات في الكتاب المُقدّس (سفر التّكوين أوّل أسفار الكتاب المُقدّس) كيف أنّ أوّل ذبيحة قُدّمت على الإطلاق كانت بمعرفة الله نفسه الذي ذبح ذبيحة ليصنع بجلدها أقمصة من جلد بها يكسي عُري آدم وحوّاء اللذين صارا عريانين بعد أن أكلا من الشجرة التي أوصاهُما الله ألاّ يأكلا من ثمرها وكسرا وصيّة الله. وكأنّ الله أراد أن يُعلنها مُبكّراً جدّاً أنّ الذّبيحة تستر عيوب الخطيّة، ثمّ بعدها نرى كيف أنّ الله يقبل الذبيحة الدمويّة من يد هابيل ابن آدم ويرفض الذبيحة النباتيّة التي قدّمها قايين أخاه، وهذه هي بدايات الذّبيحة ومنشأها تاريخيّاً وزمنيّاً، ومن وقتها ـ كما سنرى ـ وحتّى النّهاية، صارت الذّبيحة الدّمويّة هي الوسيلة التي سنّها الله لفداء البشر والرّضا عنهُم.


 • ما الغرض من تقديم الذّبيحة أو الأُضحية؟
لا ينبغي علينا بأيّ حال أن نأخذ المقصود من هذا التّعبير على أنّه عُري الجسد فقط مثلما كان الأمر بحياة آدم وحوّاء، لكنّ خطيّة الإنسان، مهما كانت وأيّاً كانت، هي عُري وعار، وهي تجعله يقف أمام الله وحتّى النّاس مكسوراً ومذلولاً ومُتّهماً غير قادر على الدّفاع عن نفسه. كانت الذّبيحة مثلما سنّ الله هي الوسيلة التي كان الله يرضى بها عن الإنسان ويغفر له خطاياه ، بسفك دمها نيابة عنه. لكن كما هو معروف، وبما أنّ خطايا الإنسان عديدة ومُستمرّة، لذلك فقد كان لزاماً على الإنسان أن يُقدّم الذبائح باستمرار حتّى ينال غفران الخطايا باستمرار، فإن لم يفعل، صارت الخطايا باقية عليه، وبطبيعة الحال، لم يكُن المُخطىء هو الذي يُقدّم بنفسه الذبائح الكفاريّة لله فداء عن خطيّته، إنّما كان عليه أن يُقدّمها للكاهن المخوّل له هذه السُّلطة من قبل الله، وحتّى الكاهن نفسه كان هو الآخر يُقدّم ذبائح عن خطاياه هو أمام الله أيضاً، مثله مثل الخاطىء أيضاً، إذ أنّه هو الآخر كان إنساناً وله أخطاءه. هذا هو القانون والتشريع السماويّ الذي وضعه الله منذ البدء كسبيل وحيد يستطيع الإنسان أن يتقدّم به لله ويجد القبول أمامه.


 • ما هي شروط الذّبيحة المقبولة لدى الله؟
لا تختلف الشرائع السماويّة مُطلقاً بخصوص شروط الذبيحة، فالكُل اتّفق على ضرورة أن تكون الذبيحة سليمة تماماً بلا أيّ عيب خارجي أو داخلي، بلا أيّ مرض أو كسر أو عاهة ولا حتّى شُبهة أيّ شيء من ذلك. أرجو أن تلتفت عزيزي القارىء باهتمام لمثل هذه الحقائق الهامّة والعميقة. لماذا ينبغي أن تكون الذّبيحة سليمة؟ لأنّها تُقدّم لله القدّوس البارّ، ولأنّها إن كانت معيوبة أو غير طاهرة فلا يُمكن لها أن تُكفّر عن الخطايا، وكتعبير عن التّقدير والإكرام لله، فنحنُ لا نُقدّم لأولادنا ولا لأحبّائنا شيئاً مكسوراً أو معيوباً، بل إنّنا نسعى جاهدين ولو استطعنا أن نُقدّم لهُم الكمال بعينه وحسناً نفعل إذ نسلك هذا المسلك. فإن كان الأمر هكذا لأحبّائنا البشر مثلنا، فكم وكم يكون حريّاً بنا أن نُدقّق ونحنُ نُقدّم شيئاً لله البارّ، لا سيّما إن كان تقديمنا لهذا الشّيء عوضاً عن خطايانا ونقائصنا، وإن كان من أجل أن يرضى علينا ويصفح عن خطايانا ويغفر لنا آثامنا؟


•        هل ذبح شاة أو ما شابه يُمكن أن يُخلّصني من الخطيّة ويُقرّبني من الله؟ أم ماذا؟
في الحقيقة لا! إنّما كانت الذبيحة الحيوانيّة هي رمزاً باهتاً غير مُباشر لفداء الله الكامل الذي أعدّه للإنسان. فمن المنطقيّ ألاّ يفدي الإنسان إلاّ ذبحاً من نوع الإنسان نفسه ومن درجته حتّى يصلح لأن يكون بديلاً مقبولاً عنه، وبكلمات أخرى، لا تتمُّ عمليّة فداء الإنسان إلاّ بإنسان مثله! لكن من أين لنا بهذا الإنسان؟ وهل يرضى إنسان مهما كان أن يموت لأجل فداء إنسان آخر سواه ومن أجل خطيّة لم يقترفها هو؟ الحقيقة هي أنّ الإنسان لا يقبل أصلاً أن يموت بنفسه فداءً عن خطيّته هو (مع أنّ هذا هو قانون الله السماويّ الذي وُضع وسينفَّذ وليس أمام الإنسان أيّ اختيار!) فما بالك بفكرة قبوله الموت لأجل إنسان آخر. يقول المنطق إنّ أمراً كهذا يكون مُستبعَداً تماماً لكن دعني أُصعّبها أكثر عزيزي القارىء لترى وتُدرك كيف كان الأمر مُغلقاً تماماً أمام الإنسان! هَبْ أنّنا وجدنا إنساناً مُستعدّاً أن يموت لأجل فداء إنسان آخر يُحبّه (أمّ أو أب مثلاً يقبل أن يموت لأجل أولاده وهذه هي قمّة البذل والتضحية والعطاء التي قلّما يُمكن لنا أن نجدها!). إنّ المُشكلة تظل قائمة إذ أنّ هذه الأم أو هذا الأب، لا يُمكنُهُ بأيّ حال أن يُكفّر عن خطيّة أولاده، بل سيكون موته إنّما يُعتبر تكفيراً عن ذنبه وخطيّته هو وليس لأجل أولاده. إنّ من يموت لأجل فداء الآخرين لا بُدّ أن يكون هو نفسه بلا خطيّة، حتى يُقدّم موته بدلاً عن الآخرين، تماماً كما كانت الذّبيحة الحيوانيّة لا بُد أن تكون بلا عيب (بلا خطيّة). دعني أنتقل أيضاً لأصعب الأمور فهماً وحلاًّ. من الذي يُمكن أن يُجبر الله (حاشا له تعالى) أن يقبل حلّ الإنسان لمُشكلة خطيّته؟. بكلمات أخرى، لقد سنّ الله القانون أنّ من يُخطىء يموت. فما الذي يُمكن أن يُقنع الله أن يقبل موت إنسان بدلاً عن إنسان آخر؟  دعني ألخّص لك ما قلته عن الشّروط الواجب توافرها في الذّبيحة المقبولة لفداء الإنسان:

 ـ ينبغي أن تكون ذبيحة إنسانيّة من نوع الإنسان نفسه ودرجته.

 ـ ينبغي أن تكون بلا خطيّة حتّى يكون بمقدورها أن تُبرّر إنساناً آخر أخطأ، ولا يكون موتها كفّارة عن خطيّتها هي نفسها. أي ينبغي أن تكون لها السُّلطة والتّفويض والأهليّة من قِبَل الله أنّه تعالى سيقبل عملها الكفّاري هذا برضى ولن يرفضه.

 - ينبغي أن يكون محدوداً مثل الإنسان ليُكفِّر عنه، وغير محدود (في الوقت نفسه)  لكي يُرضي الله (الغير محدود).


•        هل كانت الذّبيحة رمزاً لذبح أعظم كان آتياً إلى العالم؟
إذاً يتّضح ممّا سبق أنّ الذّبيحة الحيوانيّة التي كانت تُقدّم مراراً وتكراراً لا يُمكنها بأيّ حال أن تُخلّص الإنسان من خطاياه، إنّما هي كانت رمزاً للذّبيحة الحقيقيّة الكاملة التي كان الله مُزمعاً أن يُدبّر بها ـ في الوقت المُعيّن من قبله وبطريقته ـ فداءً لخطايا الإنسان الذي خلقه وأحبّه. وفي هذا أقول إنّه بكُلّ أسف أيضاً، مخدوع ذلك الإنسان الذي يعتقد أنّه حينما يذبح شاة أو حملاً لله فإنّه بذلك ينال رضاه ويحصل على غُفران خطاياه، لأنّ نفس الإنسان لا تُفتدى بحيوان بل بنفس إنسانيّة مثلها.


•        يسوع المسيح ذبيح الفداء والكفّارة الكامل، وفيه تحقّقت كلُّ شروط الذّبيحة المقبولة
نعم كان يسوع المسيح الله المُتجسّد هو تدبير الله لفداء الإنسان، ونحن نعترف بالطّبع أنّ الفكرة غريبة وقد لا يقبلها المنطق البشريّ لحدّ كبير، مع أنّ كُلّ ما سيق وقُلناه يُساير المنطق تماماً، ولك عزيزي القارىء الحُريّة الكاملة أن تقبل أو ترفض ذلك فتتحمّل تبعاته.  كان يسوع إنساناً مثلنا لكنّه خالفنا في شيئَين اثنين، أوّلهُما أنّه كان بلا خطيّة وهذه حقيقة يشهد بها الأعداء قبل الأصدقاء، فهو من دون كلّ الرُّسل والأنبياء أجمعين لا تُسجّل الكتُب المُقدّسة ولا كتب التّاريخ أيّة خطيّة ولو صغيرة كان قد ارتكبها! والأمر الثّاني الذي خالفنا فيه غير أنّه كان بلا خطيّة مع أنّنا كُلُّنا خُطاة، هو أنّه كان الله نفسه!. إنّ من يُتابع سيرة السّيّد المسيح بحياد لن يكون بمقدوره أبداً أن يُنكر ألوهيّته، بدءاً من ميلاده العذراوي المُعجزي مروراً بنقاوته وقداسته وتعاليمه ومُعجزاته وحتّى موته على الصّليب، الذي لا تنكره كتب التّاريخ الحياديّة لمن أراد أن يستطلع الحقّ من دون أيّ نزعة أو هوى في نفسه. كان يسوع هو الوحيد المُؤهّل أن يفدي الإنسان لا بذبح عظيم فقط بل بأعظم ذبح على الإطلاق. يوضّح ذلك الرّسول بطرس في رسالة بطرس الأولى 1: 18 - 20. كما أنّ ذبيحة المسيح قُدّمت مرّة واحدة فكانت كافيّة لتُخلّص الكُلّ وإلى الأبد. نعم، إنّها كافية لفداء كُلّ أولئك الذين يثقون بكفاية هذه الذّبيحة الكفّاريّة، وهم وحدهم يكون بمقدورهم نَيل رضى الله. اقرأ معي عزيزي القارىء باهتمام ما دوّنه لنا الوحي المُقدّس منذ آلاف السّنين عن ذبيحة المسيح الكفّاريّة. اقرأ معي واسمح لروح الله أن يُخاطب قلبك بهذه الكلمات الحيّة. يقول الكاتب في الرّسالة إلى العبرانيّين 9: 12 - 14.  ويقول أيضاً في الرسالة إلى العبرانيين 10: 10 - 14.
 ما أوضح هذه الكلمات لمن يفتح قلبه وعقله لها وما أروعها في تصوير كمال وكفاية فداء المسيح للإنسان، ليس فقط لخطاياه الحاليّة بل والسّابقة والمُستقبليّة أيضاً، ولكلّ ما يقترفه الإنسان أيضاً من ذنوب في حقّ إلهه. 

عزيزي، إنّ الذي ضحّى بنفسه لأجلك ينتظر منك أن تعطيه حياتك وتُملِّكه على قلبك وتقبل عمله الكفّاري لأجلك، وقتها، سيكون بمقدورك أنت أن تكون مقبولاً أمام الله في المسيح الذي لأجلك احتمل الخزي والعار، خصّيصاً لكي تغتسل بدمه وتصير خليقة جديدة مقبولة لدى الله. وهذه هي صلاتنا لك، وكلّ عام وجميعنا بخير في اسم المسيح. آمين.

إذا كنت تريد المساعدة للتّعرُّف على السّيّد المسيح يمكنك التّواصل معنا الآن (من هنا) 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads
دردشة
تم إغلاق هذه الدردشة

تحميل تطبيق "الإيمان والحياة"

Android
iPhone