search
burger-bars
Share

young man in astore house هذه هي الحياة بين ضغوطها وهدوئها، في نظامها وعشوائيّتها، تأخذنا مع التّيّار يميناً وشمالاً، تكاد تهزمنا أحياناً ونُعلن نصرتنا عليها في أوقات أخرى.

 ونحن لأنّنا تعلّمنا أن لا نؤخَذ بروح اليأس، ترانا نحاول تحقيق التّوازن في اختياراتنا وطُرُقنا، ونتّعظ من دروس الألم التي جَلَدتنا ونتذكّر جيّداً فرحة النّجاح، فنسعى باجتهاد لتحقيق نجاحات أخرى نتذوّق من خلالها طعم الفرح من جديد. ولأنّه، ليس سهلاً تحقيق الأحلام، لا بل ومن الأسهل التّخلّي عنها ورَميها، فشباب كُثُر رموا بأحلامهم الدّراسيّة أدراج الرّياح وأخذوا يجوبون الطُّرقات بحثاً عن عمل يُقيتهم ويؤمِّن لهم فرصة العيش الكريم، وهكذا جاء العمل في حياتهم على حساب الدّراسة والعِلم، رغم ما لهذين الأخيرين من أهميّة كبرى.

الدّراسة والعِلم، أُطيح بهما في حياة شريحة كبيرة من الشّباب، الذي استرزق من العمل، لكنَّه قبع محبوساً في قوقعة عقله. وكلّنا يتّفق بأنّ الدّراسة والعلم وإن كانا مُكلِفَين، إلّا أنّهما بَنيا بيوتاً خربة تزيّنت بسكّانها وأسّسا مدناً عُمِّرت بأهلها وزَرعا أراض قاحلة، أثمرت بخيراتها. أقاما دُولاً ورفعا من شأن شعوب آمنت ووثقت بهما واهتمّت بتنميتهما وقامت على رعايتهما، في حين أنّ الشّعوب التي اضطهدت العِلم وكفّرته، سارت مُهروِلة في رُكْب التّخلُّف واصطفّت بعيداً بين الدّول والشّعوب المريضة وتحوّلت لتصير من الشّعوب المقهورة.


نداء العودة: إنه بوق يُعلن الحرب على الظُّلمة والتخلُّف، ويدعو كلّ من ضحّى بالعِلم والتّعلُّم في سبيل لُقمة العيش، لأن يتجنّد من جديد ويعود لاستكمال تعليمه، مع احتفاظه بعمله في الوقت ذاته. لأنّ وجود الإنسان في مهنة شريفة يكسب منها ماله بعَرق جبينه، يُكسبه خبرة رائعة قد لا يجدها في المدارس، ويخلق في داخله حافزاً للتّعلُّم واكتساب المزيد من المعرفة. إذن، العمل يدعم العِلم لأنّه يصرف عليه، وبالعلم تزداد خبرتنا العمليّة. النّجّار المتعلِّم أفضل من النّجّار الجاهل، لأنّه يسعى للتّطوُّر ويقبل بكلّ جديد ويبتكر أساليب حديثة ويُدخِل آلات متطوّرة، أمّا غير المتعلّم فيكتفي بما لديه، ونادراً ما يُضيف الجديد وقليلاً ما يطوِّر مهنته، وعادةً ما تكون قابليّته للتّطوّر والإبداع بطيئة.  

 المهنة: ولأنّ المهنة "وظيفة مبنيّة على أساس من العِلم والخبرة، اختيرت اختياراً يلائم مجال العمل الخاص بها، وتتطلّب مهارات خاصّة وتحكمها قوانين وآداب معيّنة"، إذن لا وجود للتّعارُض بين احتراف الإنسان لمهنته والاستمرار في الدّراسة والتّعلّم، فقط  كلّ ما هو مطلوب منه، تحقيق التّوازن بين عمله وعِلمه. كيف؟  

   كيف أوفّق بين عملي ودراستي؟

 - أوّلاً، أن أعرف قيمة الوقت وخصائصه، فهو لا يعود إلى الوراء، أي لا يمكنني استرجاعه، كذلك لا يمكنني تخزينه ولا يمكنني التّحكّم به، لا يُسرع ولا يُبطئ، الوقت منتظم وثابت في سرعته، وهو هِبة تساوى فيها كلّ البشر.
 - ثانياً، أرتّب أولويّاتي وأُجَدوِل وقتي وأصنّفه. بمعنى آخر أُقيّم كلّ الأمور في حياتي من حيث الضّرورة والأهميّة والأقلّ أهميّة، على أن أُدرك ما هو مهمّ، وغير مهمّ، وعاجل وغير عاجل. فعلى سبيل المثال، الحياة السّليمة المتوازنة تقع في مجال "مهمّ وغير عاجل"، لذا يجب أن تحتلّ معظم وقتي أي 70 % منه. أمّا "المهمّ والعاجل" أي الطّارئ، فيجب أن يأخذ 15 % من حياتي. والـ 15 %  الأخرى، "تغطّي غير المهمّ وغير العاجل"، وفيه يمكنني اختيار ما أريد فعله، أسافر في إجازة، آخذ دروساً في الموسيقى. ولكي أعيش في مربّع المهمّ وغير العاجل، أحتاج إلى تخطيط وتنظيم، وهذا التّخطيط يتطلّب منّي ترتيب أولويّاتي، كما سبق وأسلفت، ومعنى فكرة أولويّات أي أن أختار بين الجيّد والأفضل. 

 - الاستفادة القصوى من فُتات الوقت: فُتات الوقت هو نشارة الوقت - أي الوقت الذي يُهدر منّا دون فائدة، أثناء قيامنا بأعمالنا - فالنّجّار الماهر نجد في ورشته القليل من بقايا الخشب، لماذا؟ لأنَّه يعود ليستخدم القطع الصّغيرة مرّة أخرى قدر الإمكان. كذلك من يكون ماهراً في استخدام وقته، يقلّل من وقته الضّائع، فيستفيد من فتات الوقت. على سبيل المثال يستفيد من الوقت الذي يقضيه في المواصلات، بقراءة كتاب أو الاستماع إلى محاضرة من خلال جهاز mp3 ، أو إراحة ذهنه من الملوّثات السّمعيّة بسماع موسيقى هادئة.

أهميّة العمل المهني: أنا من مُحبّي الحِرَف، ومن محبّي العِلم، أؤمن بالمَثَل القائل "صَنعة في اليد أمان من الفقر". وأُحبّ الأيادي الماهرة التي تقف إلى جانب العقول الواعية والمستنيرة والمتفتّحة، وتصنع أشياء رائعة، تحتلّ القمر وتغزو أعماق البحار. لديّ حِرفة ولديّ شهادة، لن أكون مُستهلِكاً في مجتمعي بل مُنتِجاً، ولن أكون محتاجاً بل عضواً فعّالاً. تعال صديقي معي لنتصالح مع مدارسنا، نعود إليها ونجلس من جديد خلف مقاعد الدّراسة فيها، نطلب العِلم ولو في الصّين. إنّ كلّ ما أُنجزه في هذه الحياة هو رصيد يضاف إلى حياتي وحضارتي، ونحن جميعاً مسؤولون ومطلوب منّا أن نساهم في رُقيّ إنسانيّتنا وحضارتنا، قد تقول لديّ القليل، حسنٌ حتّى القليل الذي لديك يحتاجه مجتمعك. يحتاج مجتمعنا إلى من يرسمون الخطط ويضعون المشاريع ويحتاج إلى أيادٍ ماهرة تنفّذها. 

صديقي، كلّ منّا مسؤول عن اختيار الحياة التي يرغب في أن يحياها، ونحن نحتاج إلى أن نتعلّم كيف نحياها، حياتنا لا تُحسب بكم العمر الذي قضيناه! ولا بعدد أيّامنا وسِنينا، بل تقاس بالشّكل والكيفيّة التي عشناها بها. والله لا يريد لنا أن نحيا حياة عاديّة، بل حياة أفضل، حياة ملؤها الفرح، حياة تغلب الألم وتنتصر عليه، حياة دائمة في النّور، نور العلم ونور الأمل ونور الإيمان، حياة تصبو إلى هدف وترقى إليه، حياة خالية من الأنانيّة، نحياها ليس لأنفسنا فقط، بل لله والآخرين.

++++ 

 

موضوعات مشابهة:

صَنعة في اليد أمان من الفقر

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads