search
burger-bars
Share

أجبرت على الزواج منهلا أحبّه ولا أطيقه...

أقطن إحدى قُرى صعيد مصر حيث تسود الأعراف والتقاليد القويّة التي لا تملك من خلالها الفتاة منّا أمراً في حياتها، بل هي أقرب إلى آلة للاستخدام

أو قطعة أثاث في منزل .... ومع أنّ عائلتي تُعتبر من أكبر عائلات القرية غنىً ونُفوذاً، كما أنّها تُعتبر أيضاً من أكثرها انفتاحاً وتحرُّراً، إذ أنّهم سمحوا لي بالاستمرار في الدّراسة حتّى الدّبلوم (مُؤهّل متوسّط)، بينما معظم الفتيات في قريتنا غير مُتعلّمات على الإطلاق، أو ربّما اكتفينَ بمرحلة التّعليم الإلزامي الابتدائيّة. لكن ومع تحرُّر وتحضُّر أهلي من جهة الدّراسة والتّعليم، إلّا أنّهم شكل مختلف تماماً عن ذلك في موضوع الزّواج، وهذه هي كارثتي التي أكتب لك عنها ....
لقد أرغمني أهلي إرغاماً على الارتباط بابن عمي، رغم أنّني لم تكن لديّ أيّة رغبة في ذلك، بل العكس هو الصّحيح، فهو يُمثّل بالنّسبة لي رُعباً ما بعده رعب، هو مُقزّز للغاية وأنا لا أطيقه حتّى قبل أن أرتبط به، فهو كما يقولون، لا منظر له ولا جوهر، منذ طفولتنا ـ وبحُكم تربيتنا في منزل العائلة الكبير ـ وهو يُمارس معي شتّى أنواع القهر والإذلال حتّى وأنا طفلة (لأنّه يكبرني بحوالي سبعة أعوام) كان يضربني ويخطف لعبي منّي ويُمارس ساديّته عليّ، وتربطني به العديد من ذكريات الطّفولة الأليمة، كاد يحرمني من إكمال تعليمي حينما أقنع والده أن يضغط على أبي ويقنعه بألّا لزوم لتعليمي، وأنّ زوجته لا بدّ أن تكون أقلّ تعليماً منه (هو أيضاً حاصل على مُؤهّل مُتوسّط). وهو حتّى الآن يأخذ منّي كلّ حقوقه بالعُنف والقوّة والتّعدّي والذُّلّ!.
هو جاف جدّاً في تعامله مع أولادنا ويعاملهم بكلّ قسوة وخشونة بحجّة أنّ القسوة والخشونة ستصنع منهم رجالاً يتحمّلون المسؤوليّة.
ما لديّ يُكتب في كتب، لكن القصّة مريرة مريرة، وأنا لا أجد من يهتمّ بي أو حتّى يسمعني، طردني مرّة فذهبت باكية إلى أهلي، فنبذوني وأمروني بالعودة إلى بيتي لأنّ الانفصال غير مُصرّح به عندنا، وأهله يعرفون طباعه، لكنّهم ما بين تعاطُف وسلبيّة لا يعملون أيّ شيء ... والآن، ماذا أعمل؟
                                                                                                                 المُعذّبة
                                                                                                                   ن. ر
عزيزتي ن. ر،
لا تأتي الأيّام لنا ـ بكلّ أسف ـ بكلّ ما نستحقّه في الحياة!. فحتّى أبسط الحقوق في الحُبّ والسّعادة والهدوء، قد نُحرَم منها من دون ذنب ارتكبناه أو أمر قصّرنا فيه، وللأسف، هذه هي الحياة.
إنّ قضايا مُهمّة مثل قضايا الظُّلم أو الألم أو المرض أو الموت ... كثيراً ما أرّقت خيال الإنسان فوقف صامتاً جامداً حيالها، إذ ليس له أن يعمل أيّ أمر خلاف ذلك حيال مثل هذه الأمور الصّعبة أمامه.
قصّتك دراميّة لحدٍّ بعيد، وأنا أُصدّقك لأنّ الصّراحة والصّفاء واضحان في كلامك ـ برغم الألم والجراح اللذان يُغلّفان كلماتك ـ المليء بالصّدق والشّفافيّة. والآن، ماذا عساك أن تفعلي؟ ياله من سؤال صعب حقّاً!.
أريد في البداية أن أوجِّه كلمة قصيرة إلى كلّ أبّ أو أُمّ يُجبرون بناتهم على الزّواج من أشخاص لا يريدونهم. إنْ كانوا يفعلون هذا للحفاظ على التّقاليد، فالتّقاليد وإنْ بعد وقت ستتغيّر. وإنْ كان لأجل المال، فالمال ينتهي وينفق. وإنْ كان لأجل خاطر النّاس، فالنّاس يموتون ولا يحيَون للأبد. لا يوجد أيّ شيء في الحياة يستحقّ أن نضحّي لأجله بسعادة أبنائنا الذين أنفقنا حياتنا لكي نربّيهم ونسعدهم. 

أختي العزيزة، إنّ اختباري واختبار الكثيرين من حولنا، هو أنّه عندما تضيق بنا الأمور، فإنّ الملجأ الذي يُمكننا أن نلجأ إليه هو باب الله. فهو الوحيد الذي لا يضيق ذرعاً بنا ولن يكون مشغولاً عنّا أبداً، بل هو موجود وهو يُحبّنا ويهتمّ بنا، ولماذا أيضاً؟ إقرأي المزمور 72: 12. ولأنّه وحده الذي قال في إنجيل متّى 11: 28. ولدينا في كلمة الله المُقدّسة وعوداً أُخرى مُبارَكة لا حصر لها.
والآن، أدعوك أن تأتي إلى الله وتحتمي به من غدر الأيّام. هذا هو المفتاح الأول للتّعافي والشّفاء. كذلك لديّ بعض النّصائح الأُخرى التي أودّ أن أتركها معك، أُلخِّصها في نقاط مُحدّدة كالتّالي:
- لا تبكي على اللّبن المسكوب. أقصد، لا تجلسي وتفكِّري في متاعبك وآلامك وتجترّين ذكرياتك السّلبيّة فتفشلين وتيأسين وتزدادين هَمّاً وقنوطاً ويأساً، بل اعملي العكس! أريدك أن تخرجي من هذا الجوّ، كوني قويّة وصامدة والرّبّ سيقوّيك ويُكافئك.
- اشغلي حياتك بأمور أُخرى مُفيدة تُساعدك على الخروج من هذا الجوّ الخانق!. فعلى سبيل المثال كرّسي حياتك لأولادك وأعدّيهم ليواجهوا الحياة بقوّة وإيجابيّة. صلّي لأجلهم، وأنيري ـ بنعمة الله - المُستقبل أمامهم، ساعديهم لأجل مُستقبل مُشرق لهم جميعاً.
- كَوِّني علاقات صداقة قويّة مع سيّدات أُخرَيات من القرية، تثقين فيهنّ وتأخذين النّصيحة منهنّ أو تقدّمين أنت لهنّ النُّصح والإرشاد. هذا سيعطيك شعوراً عظيماً بقيمة وجودك المفيد في المجتمع المحيط بك وأيضاً هذه الصّداقات ستملأ ولو جزءاً من الفراغ العاطفي الذي تشعرين به.
- حاولي الاشتراك في أحد الأنشطة الاجتماعيّة الموجودة بالقريّة مثل برامج محو الأُميّة. أنت سيّدة متعلِّمة، فساعدي أُخرَيات بما تعلّمتيه، وفي الوقت نفسه استثمري وقتك خارج البيت في أعمال مفيدة لك ولمجتمعك.
- إن كان في وِسع يديك، ابدأي مشروع استثماري صغير مثل تربية الأرانب، تستثمرين فيه وقتك ومجهودك. فهذه فكرة جيّدة ومُربِحة في  الوقت نفسه. 

- صلّي وارفعي الدّعاء لأجل زوجك واقتربي منه. حاولي أن تتحدّثي معه في حوار هادئ ـ بلُغَة المحبّة وليس العِتاب ـ عن مشاعرك واعلِني له عن رغبتك في الحياة في بيت سعيد هادئ. اطلبي من الله محبّة وغُفراناً له، كي تُساعديه ليتغيّر، من دون دينونة وجروح بل بشفاء وسلام. أعلمُ جيّداً أنّ هذا ليس بالأمر السّهل، لكن سيعينك الرّبّ على إتمامه. وأنا أعرف العديد من الرّجال الذين تغيّرت حياتهم نتيجة دُعاء زوجاتهم لأجلهم وأسلوب معاملتهنّ الحسن لهم.

أختي،
الحياة أقصر من أن نُضيِّعها بالنَّدم على ما فات، أو مُحاولة تغيير أمر صار نافذاً. لكن دعينا نُسلّمه لمن بِيَدِه الأمر والقُدرة، ونسعى نحن من جهتنا ـ قدر طاقتنا ـ لنرى النّور من خلال الظّلام، ولنجد طريقنا حتّى وسط الأشواك. والرّبّ معك.

 

FacebookXYouTubeInstagramPinterestTiktokThreads