غير أن أسوأ ألوان الغش هي خداع الإنسان لذاته!،
وهو أمر شائع، فقد يكذب الإنسان ثم يصدق نفسه!.
أعرف رجلاً غشاشاً كوَّنَ ثروة هائلة من أعمال غير مشروعة، ثم أراد أن "يغسل" هذه الأموال ويستثمرها في مشروع تجاري. ولما كانت حياته محوطة بالشبهات، أراد أن "يلمع" ظاهرة. فالتجارة تحتاج إلى اسم نظيف وإلى سمعة طيبة، فكيف يصنع هذا الاسم وهذه السمعة؟ لقد قرر أن يصنعهما بالغش أيضاً، فهذه هي الوسيلة التي يعرفها. فساهم في بعض المشروعات الخيرية ذات الطابع الدعائي، وجمع حوله بعض الأعوان الذين أشاعوا عنه أنه رّجُل البِرّ والتقوى، ورَجُل المروءة والإحسان، ولفّقوا الحكايات الوهمية عن صلاحه وإحساناته وتقواه وزهده في الدنيا ... إلخ!.
بينما كان يمارس سرّاً كل دناياه وشهواته ولصوصيته. والغريب أن الناس خارج دائرة العارفين صدقوه، وتمسحوا في بركاته. لكن الأغرب والأعجب حقاً أنه هو أيضاً صدّق أكاذيبه، وتصوّر فعلاً أنه من الأتقياء الصالحين!، ونسيَ أن الله في سمائه عليم بما في الصدور، وأنه سبحانه يرى، ويسمع، ويفحص القلوب والضمائر، ويكشف الأسرار، والخفايا!.
إن خداع الذات هو أشر ألوان الغش، ولأنه يغلق أبواب التوبة. ومن يخدع ذاته كمن يخدع طبيبه، فيعوق شفاءه ويهلك ذاته!.