الحرية الحقيقية ليست الحق الذي يجيز للإنسان أن يمارس الشر!
، بل هي الحق في الارتفاع في دنايا النفس وشهواتها وأطماعها إلى آفاق عالية من السمو الروحي والإنساني. وكما تقول "جورج صاند" : إنها القوة التي تجعل العبد حراً، والحر قديسا أو شهيداً.
إننا نصبح أحراراً حقاً حين نتحرر من أنفسنا، ومن الاندفاع وراء رغباتنا. حين نتحرر حتى من مجرد الرغبة في تحقيق الحرية المطلقة.
إن واحدة من الحقائق التي تبدو متناقضة في تكوين الإنسان الروحي، هي أن سبيله إلى الحرية يبدأ بالقيود التي يضعها لنفسه.
فهناك من يربح الدنيا كلها، ويخسر نفسه ويفقد حريته، وهناك من يتخلى عن الدنيا بأسرها فيجد ذاته ويربح حريته ولكن:
• هل يقدر المرء أن يحقق الحرية المسؤولة التي تقدّر التزاماتها تجاه الآخرين؟.
• هل باستطاعة الأنسان أن يفرق بين حريته واستغلال نفوذه وسلطته وفرضه إرادته على من هم تحت رياسته؟
• هل بمقدور الإنسان أن يكبح جماح شهوته، ويحترم كرامته، وحرية إرادته التي ميزه الله بها عن سائر المخلوقات؟
نعم يستطيع.
فالإنسان أعلى المخلوقات التي صنعها الله، وقد منحه الله الحرية، لكنه كغيره من خليقة الله لن يحقق حريته ما لم يكن على علاقة سليمة بغيره من رفقاء الوجود، وعلى علاقة روحية وثيقة بربه وخالقه.
كان يوسف الصّدِّيق بعيداً عن بيت أبيه، وعن عيون الرقباء، لكنه كان يعرف أن حرية نفسه وضميره أغلى من كل ما في خزائن فرعون. لذلك فقد ظل قوياً أمام الضغوط، ولم تستطع الشهوة أن تكبِّل حريته اليقظة.
وحين أُلقِىَ وراء قضبان السجن ظلَّ حُرّاً طليقاً برغم القيود. كان ظاهره سجيناً وواقعه طليقاً.
لقد كان الله في قلبه، فلم يَمِل القلب.
وكان الله أمام عينيه، فلم تزغ العين.
وهذه هي الحرية الحقيقية.